Saturday, March 8, 2008

باقة من الزهور






فجأة ... استيقظت من غفوتي ... و كأني أستيقظت من سبات عميق .. استمر لفترة طويله .. طويلة جدا ، لا أعلم كيف غفوت و متى و أين؟ كنت مرهقا .. كنت متقوقعا ُ على نفسي .. كأني أحمي جزءا ً منها ، لا أدري مم؟ و لكني استيقظت بروح جديده .. مختلفة عما كانت عليه من قبل.ء

ء

كانت الغرفة مظلمه ، بها مصباح رئيسي موجه نحوي ، فكأني في غرفة تحقيقات ، اسمع همساتهم و لا افقه ما يقولون ، و من ثم تزداد هذه الأضواء نحوي فقط .. و يعم الهدوء .. فصرت كنجم غنائي في دار للأوبرا ، كثيرة هي العيون المتجه إلي .. لا أقدر أن أميزها لشدة سطوع الضوء نحوي .. و لكن لا يزال باستطاعتي أن أميز بعضا من تلك العيون التي لا أعرفها بتاتا .. تلك العيون التي تراني بأنصاف ابتسامات .. بقليل من الشوق .. حتى رأيت زوجا ً من العيون .. كانت ترمقني بنظرة مختلفه .. كانت تنظر إلي باحساس مختلف .. كانت متلهفه .. ناعسه .. حزينة .. فرحه .. مرهفه .. عطوفه .. شدتني طريقتها بالنظر إلي .. أحسست على الفور بقرب تلك العيون الى روحي .. و بلا أية مقدمات و بطريقة عفوية و بلا استحياء أمسكت يد صاحبتها من غير خوف و بلا مبالاة .. فلا أرى أحد سواها ... و كأن العالم قد فنى .. ولم يبقى منه إلا نظراتنا .. كنت أعرف تلك العيون .. أعرفها جيداً .. لا أدري كيف و أين ؟؟ و لكني على يقين بمعرفتها. ء

ء

فتلقفت يدها يدي .. بلا تردد .. فلم تبخل علي بابتسماتها البراقه .. أو مزاحها المستمر .. فلم أصدق أن يكون هناك أي من البشر بهذا العطاء .. و بهذا الكرم .. لم أتخيل في يوم من الأيام بأني سأجد انسانه تجمع كل هذه الصفات .. من شدة صدمتي .. لم أقدر حتى على الكلام .. و كأن شيئا ما لجم لساني .. فعجزت عن النطق .. فاكتفيت معها بلغة العيون .. لغة النظرات البراقه .. فكانت هذه هي لغتنا الأم .. و كانت لغة اللمس هي لغة مداعباتنا .. و لغة التسبيح و التهليل هي صلواتنا.ء

ء

ء

تطورت علاقتنا ببعضنا البعض من أول رمقة في غرفة الأضواء .. فبلا شك أصبحت لا أقدر على فراقها ... ولا تكاد نفسي تطيق أي برهة من دونها .. أهدتني بعد مرور عام من علاقتنا بأول هدية لي في حياتي .. فكانت زهره بيضاء ناصعه جميلة زكيه ، بياضها يسر الناظرين .. فازداد اعجابي بها اكثر و اكثر .. كنت أفكر أفبعد كل هذا الحنان و الوداد ، و هي من يبدأ بإعطائي الهديه .. فكأن هوس قد أصابني .. أصبحت لا أفرق بين الحقيقة و الخيال .. حاولت أن اشكرها و اعبر عن امتناني لها .. و لكن من هول ما رأيت من كرم أخلاق و دماثة صفات .. عقد لساني مرة أخرى فعجزت عن شكرها و تقديرها .. أخذت تلك الزهره و أودعتها في كتاب الذكريات .. فكنت أراها كل يوم و ليله .. و في كل مره أرى الزهره ، أريد أن أشكرها فأعجز .. حتى ظننت بأنني أخرس .. لا أستطيع الكلام .. لا أعلم أين اختبأت فصاحتي؟ .. لا اعلم أين تاهت حروفي؟؟ .. لا أدري من هدم بيوت أشعاري؟؟ يوم بعد يوم و شهر بعد شهر ... فبدأت أخاف من تردي حال هذه الزهره و ذبولها .. الى ان مضت ستة من الشهور بعد الربيع الأول .. و في الليلة التي اكتمل فيها البدر .. و تلألأت فيها النجوم ... و تمايلت أغصان الأشجار .. و سكن ذاك البركان .. و أخــــــيرا ً .. نـطقتــــها .. قـلتـــها .. مـــــاء .. نعم ماء ، يا أنقى و أروى ماء .. الماء هو الشيء الذي تحتاجه تلك الزهره .. لتعيش و تحيا .. ضحكت ذات العيون الحميمية لأني طلبت منها شيء مباشرة .. فراحت تسقي زهرتي التي أهدتني إياها بعدما أهملتها أنا لتقاعسي ..ء
ء
و لكن لم يسعفها الوقت فدب الموت الى زهرتي .. و أنا أصرخ ماء .. ماء .. و هي تسقيها بلا كلل و بلا أي ملل .. و لكن بلا فائده .. ذبلت الزهره .. فحزنت و بكيت بشده على تفريطي بهذه الهدية القيمة .. و في مطلع السنة الجديدة أهدتني زهرة أجمل و أرق و أعذب من الأولى .. فتعلقت بها .. و خشيت أن تموت أو تذبل كما حصل مع زهرتنا الأولى من العطش .. فأغدقت عليها الكثير من الماء .. حتى ذبلت الأخرى من الغرق .. فذرفت عيوني ماءاً .. و صحت ماءا ً .. و ناديت ماءا ً.. فاحترت في هذا الماء .. فقالت لي: لا تخف ، سأعطيك زهرة ثالثة ، خذها هي لك ، و لكن لا تهملها فتذبل و لا تكثر من سقيها فتغرق . قلت: حســـنا ً.. بدأت أتعلم كيف أتعامل مع الزهور .. بدأت أفهم ماهية الزهور .. و كل ذلك بفضل ذات العيون .. احتفظت بجميع الزهور التي اهدتني اياها .. الحية منها و الميته ... فهي مقربة الى قلبي .. انارت لي دربي ... و في كل يوم و ليلة تعلمني كيف اعتني بها .. و كيف ازرعها .. و كيف اسقيها .. فغدت تعطيني عطاء الذي لا يخشى الفقر .. وتجهد نفسها عناء من لا يخشى السهر .. فقط لأجلي .. و في كل ربيع في مثل هذا اليوم .. كانت تختار أجمل و أعذب و أزكى الزهور فتقدمها لي .ء
ء
ء
كنت مفعما بحيوية و جمال و رائحة الزهور .. علمتني ذات العيون كل ما استطاعت تعليمي اياه عن حياة الزهور .. حتى صار عندي من الزهور 14 زهرة .. فبدأت أسأم و أمل و أضطجر من زهورها و هداياها ... بدأت أفكر بطريقة مختلفه ، إلى متى و هي تعطيني زهور؟! لم لا أزرع أزهاري بنفسي .. أحد أصدقائي كانت لديه كوم من زهور شوكية .. و الآخر موفرا جهوده فكان يقطفها خلسة من أحد البساتين القريبة .. ء
ء
ء
و في ذات نهار .. صحت في وجهها .. توقفي يا ذات العيون .. لا أريد زهورك .. فغرورقت عيناها: لم و لماذا؟؟ أفبعد كل هذه السنين لم تعجبك أزهاري .. هي أفضل ما عندي .. خذها و لن و لم أطلب منك ثمنا لها .. قلت: لا ... أريد أن أزرع أزهاري بنفسي .. و قد لا أزرعها .. و ما تعنيلي الزهور الآن .. أريد أكثر من ذلك .. أريد غير ذلك .. لا أعلم ماذا أريد .. و لكني أريده .. هو شيء ما؟!!ء
ء
على هواك .. قالت لي ، و لكن أوصيك خيرا بالزهور .. و اذكر أن المـــاء هو سر الحياة .. فكنت غالبا ما أؤجل أوقات ري الزروع و أحيانا أهملها ، حتى لم أحصد أي زهرة في ذاك الربيع .. في وقت حصد فيه كثير من أقراني أزهارهم .. و كنت أنا بلا أية زهره .. استمرت بي الحال وانا عازم على زرع زهوري بنفسي و بطريقتي الخاصه و لكن بلا فائده .. فحصدت في الربيع التالي شوكا ً و حنظلا ً .. و ساعدني بعض الزملاء بالزراعه في العام التالي فجنيت بأسوأ مما قد حصدته في الربيع السالف.ء
ء
و إذ هي بانتظاري .. تبتسم كعادتها .. تأتيني بالماء .. و بثلاث أزهار عوضا ً عما أضعت .. فأهدتني إياهم .. فأيقنت بأنها هي الماء .. و كان السر بالماء .. فهو سر الحياة و بركتها .. و هو الخير كله .. لم أقدره حق تقديره .. فندمت على ما أضعته في تلك الأيام و السنين .. ء
ء
حينها اتخذت قرارا ً مريرا صعبا ً .. ألا و هو إني قررت الرحيل .. الرحيل للتعلم و الإفاده ، لا للترف و الرفاده .. أعطيتها الثمانية عشر زهرة اللاتي احتفظت بهن .. و قلت لها: شكرا لك .. سأذهب لأتعلم كيف أجني الزهور من بلد الزهور و أعود حاملا لك أجمل باقة زهور هدية لك أنت .. كان الفراق مريرا .. انهالت منه الدموع فقالت : كل شيء يهون في سبيل باقة الزهور .. اذهب و الله الموفق .. لا اقول الا كما قال يعقوب :"فصبر جميل"..فغادرت الى بلاد الزهور .. أقطف و أجني من خير ما عندهم .. و كنت أعود اليها في كل ربيع بزهرة جديده .. حتى أكملت ستة أزهار .. و في الربيع السادس بعد الرحيل و كما وعدت أحضرت لها الباقة التي طالما حلمت بها .. فها أنا أعمل و أكدح حتى أعوضها عن كل زهرة ضحت بها لأجلي ، ووهبتنيها ..ء
ء
ء
فأهديها في مثل هذا اليوم ستة و عشرون زهرة .. شكرا لك يا مــاء السـمــاء

10 comments:

Aldenya said...

يــاه
ما أروعها من قصه
كانت شفافة جدا
كتلك الوردة البيضاء
التى أنتجت
حباً يفوق
عدد وحجم زهور هولندا
دام هذا الحب
مطوقا بإكليل من زهور الجمال

Um FaroOo2 said...
This comment has been removed by the author.
Um FaroOo2 said...
This comment has been removed by the author.
Um FaroOo2 said...
This comment has been removed by the author.
Um FaroOo2 said...
This comment has been removed by the author.
Q8Leader said...

سنة حلوه يا بركان

Shaima'a Alkandari said...

باقه من اجمل الزهور كونتها بنفس وجمعتها بيديك يابركان

فللابداع باب بهذه المدونه فلهذا احرص على ان تسقينا من ماءك ايها الرائع

لاننا متعطشين وننتظر من يروينا

بـركـــــان said...

aldenya
اشكر اطرائك الرقيق .. ليتك عرفتي صاحبتها :)

q8 leader
:) و انت بخير اشكرك

shaima al kanderi
فكما لأبداعي باب .. فلأطراءك نافذه تفتح للمدونين العطاء و تلهمهم من بستان الأدب
شكرا لك

illusionist said...

i liked it .. good job .. keep on :)

Anonymous said...

واااو

حلو الاسلوب ماشالله

بس سؤال

هل الماء أمك؟
و الحياة التي وهبتك اياها بعد الله هي الزهور؟

لا أدري، احسست ذلك خاصة عندما قلت 18 زهرة و ذهبت

و في فترة المراهقة وددت البعد عنها لكنك احتجت اليها

واي عجيب الكلام و قد يبكي العين لرقته